عن أبو نعيم أَيضاً عن أبي صالح قال: دخل ضرار بن ضمرة الكِناني على معاوية فقال له: صِفْ لي علياً، فقال: أَوَ تُعْفيني يا أمير المؤمنين؟ قال لا أُعفيك، قال: (أما إِذْ لا بدَّ؛ فإنَّه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فَصْلاً ويحكم عدلاً، يتفجَّرُ العلمُ من جوانبه، وتنطِق الحكمةُ من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنسُ بالليل وظلمته، كان والله غزير العَبْرة، طويل الفكرة، يقلِّبُ كفّه ويخاطب نفسه، يُعجبه من اللباس ما قَصُر. ومن الطعام ما خشن، كان والله كأَحدنا يُدنينا إِذا أتيناه، ويُجيبُنا إِذا سأَلناه، وكان مع تقرُّبِه إِيّنا وقربهِ منا لا نكلمه هيبة له، فإِن تبسم فَعَنْ مثل اللؤلؤِ المنظوم، يُعَظِّمُ أَهل الدين، ويُحبُّ المساكين، لا يطمعُ القويُّ في باطله، ولا ييأَسُ الضعيف من عدله، وأَشْهدُ بالله لقد رأيتُه في بعض مواقفه وقد أَرخى الليلُ سدوله وغارت نجومُه يميلُ في محرابه قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأَني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا: يتضرع إِليه ثم يقول للدنيا: أإِليَّ تَغَرَّرْتِ؟أم إِليَّ تشوَّفتِ؟ هيهات هيهات، يا دنيا غُرِّي غيري، قد طلقتك ثلاثاً. فعمرُك قصيرٌ، ومجلسُك حقيرٌ، وخطرُك يسير، آه، آه، من قلة الزاد وبعد السفر ووحشةِ الطريق) فَوَكَفَتْ دموع معاوية على لحيته يملكها وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء فقال: (كذا كان أبو الحسن رحمه الله، كيف حزنك عليه يا ضرار)؟ قال: «حزني على علي كحزن الأم التي ذبح ولدها في حِجْرها، لا تجفُ دمعتها، ولا يسكن حزنها) ثم قام فخرج.
وأَخرجه أيضاً ابن عبد البر في الإستيعاب عن الحِرماني رجل من همْدان عن ضِرار الصُدَائي